__ا أحلام مستغانمي كتبت في إحدى رواياتها : (إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير ,,, وننتهي من الأشخاص الذين اصبح وجودهم عبئا على حياتنا ..فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم وامتلأنا بهواء نظيف في الحقيقة كل رواية ناجحة .. هي جريمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما...وربما تجاه شخص ما ... نقتله على مرأى من الجميع بكاتم الصوت .. ووحده يدري أن تلك الكلمة الرصاصة كانت موجهه إليه ) اهدي إليك قصتي الرصاصة... لأمحوك من ذاكرتي ...! فُتحت ستائر غرفة نومنا بكل وحشية ,,, اجتاحت شمس الصباح أرجاء الغرفة ,,, فتحت عيني بتثاقل.. نظرت إلى زوجي بحسرة طالبةً منه إغلاق الستائر,, تقدم إلي بوجهٍ باسم وهمس في أذني _ صباح الخير يا حلوة ,,و يلا قومي وبسك نوم,, بنموت جوع ! أحكمت غطاء السرير فوق رأسي مطالبةً بالعودة إلى النوم.. ولكن ابتدأ هو بشن حملات الإزعاج ... ابتدأ بالغناء .. ثم بالصراخ ... ثم احضر ابني ذو الثلاث سنوات وابتدأ بالقفز فوق السرير ... حتى استسلمت واستيقظت ! كل هذا الإزعاج كي اعد لهم طعام الفطور !,,, أي الرجالُ هو زوجي الذي لا يستطيع أن يعد لنفسه طعام الإفطار ! جلسنا جميعا على طاولة الطعام ,, لا ينتابني الشعور بأننا عائله إلا إذا جلسنا جميعا على الطاولة أنا وزوجي وقرة عيني ابني الصغير بيننا _ اليوم عندك شيء الصبح ؟ _ لا... يمكن بس أروح امشي خلودي بالعربة ... مسكين من زمان ما طلعته _ اها ... طيب يا أم خالد أنا أستأذن الحين بروح الدوام _ احلااااا يا أم خالد !.... وش ذا الرزه ! _ من اليوم ورايح شغلنا راح يمشي رسمي !.. انتي أم خالد وأنا أبو خالد ... بعد جايبين ولد ليه ! ودعت زوجي عند باب المنزل ,, لكم اشتاق إليه .. ليته يبقى حبيس المنزل معي !... فأنا ربة منزل .. لم اكمل دراستي الجامعية ..وتفرغت لتربية ابني بدأت بالعمل .. نظفتُ ومسحتُ ورتبت وغسلت ... لطالما أصر علي زوجي بأن نحضر خادمه إلى المنزل ولكني كنت ارفض .. فتنظيف المنزل يشغل وقت فراغي في ساعات النهار التي يغيب فيها هو عن المنزل بدا ذاك اليوم نهاراً طبيعياُ كأي يومٍ آخر ...لم اعلم ما أخفته لي مشيئة الله في هذا اليوم ! بكل عفوية أخذت خالد إلى المجمع التجاري كي يتنزه بعربته ! لكم يحب الدوران في المجمعات التجارية ! طفلي محط أنظار الجميع ! ..حُمرة خداي ...دوران وجه والده .. بياض عماته... اسوداد عيني خالته.... يصلح في دعايات الأطفال بابتسامته الساحرة كل من يعمل في ذاك المجمع يعرفون طفلي... فيحملونه تارة ويحضرون له الحلوى تارةً أخرى وبينما أنا أسير في ذاك المجمع وقعت عيني على تلك الاعين الشاخصةُ في ! اعرف هذه العينان جيداً واعرف صاحبهما!.. ولكن ذاكرتي خانتني .. نظارته لي كانت بلا أي معنى .. يسرح في بلا مبالاة .. وكأنه ينظر إلى شبحٍ ما ما الذي اتا بك إلى هنا ؟ ... أهذا أنت ؟ .. اصحيحٌ ما أرى ؟ ... اتسعت عيني لدى استيعابي من هو ذاك الشخص ! كان يقف بعيداً متأملا في بكل حسرة .. ابتدأت باستيعاب نظراته بعد أن ميزتُ ملامح وجهه ! لكم غيرته السنين!! يقف أمامي بكل انكسار .. بكل الألم ..بكل العذاب والحسرة !... يقف أمامي رجلاً جردته الغربة من معالم الفرح .. نسيت شفاه الابتسامة ... يقف أمامي رجلاً تجرع كيسان المرارة كأساً تلو الآخر ابتدأ بالمسير إلى بخطىً واثقة وفي كل خطوة يخطوها تتخبط الذكريات في رأسي ... أول لقاء .. صندوق الجرائد .. الرسائل .. الأشعار ...هاتف المنزل ...حادث السيارة... شريط التسجيل ... ويوم زفافي! ما هذا يكاد رأسي ينفجر من هول ما أرى أمامي من ذكريات نظرات عيناه كانت تحمل ألف معنىً ومعنى ,,,شحوب وجهه عبر عن الكثير .. الابتسامة الصفراء طعنت في صدري ألف خنجر وفي آخر خطوة من خطواته ..... تذكرت كل شيء ! واجتاحتني عاصفة الذكريات ! ………………………… قبل ست سنوات !....أول لقاءٍ لنا ! ...كان في هذا المجمع ! ... يال سخرية القدر !.. كنت في تلك الأيام لم أتعدى أل 19عاماً ! ذهبت وأختي للتسوق .. كان يوما عادياً .. كأي يومٍ آخر .. في تلك الأيام كنت كثيرا ما أتردد على المجمعات التجارية .. فكانت أختي لمي تستعد لزفافها كان هو ومجموعة من شباب بلادي الفاسد ابتدأو بمضايقتنا .. وملاحقتنا من محلٍ الى آخر .. حتى طفح الكيل والتفت أختي بغضب وابتدأت بالصراخ عليهم .. تذكرهم بأن لهم أخوات .. وانه من غير اللائق فعل شيء كهذا في مكان عام .. وان ما يحدث لنا الآن من الممكن أن يحدث لمحارمهم ... بعد أن أتمت أختي محاضرتها الطويلة .. ابتدأو بالضحك .. وبالسخرية من طريقة حديثها التفت أنا حينها بكل غرور وعزة ونظرت إلى عينة مباشرة _ حبيبتي لا تتعبين نفسك مع ناس زي كذا ...وتقعدين تحاولين تطلعين خصل الشهامة فيهم وتذكرينهم بأخواتهم ... هذا إذا كانو رجال ويخافون على أعراضهم من الأساس ! كلماتي استفزتهم اشد الاستفزاز وابتدأو بالصراخ والشتيمة ... فأشار لهم بان يصمتوا وذهبوا بعيدا بعد إشارته !... كان من الواضح انه زعيم تلك المجموعة فمن إشارته تلك صمتوا وذهبوا ! في طريق عودتنا إلى المنزل .. لاحظت وجود سيارةٍ تتبعنا .. تجاهلت وجودها .. وهمست في داخلي ( شباب تافه !) وانتهى ذاك اليوم ! .. اليوم الذي ابتدأت فيه قصتي معه! صباح اليوم التالي استيقظت مبكرة على غير عادتي ! ...بعد سنوات علمت لماذا كانت المشيئة أن استيقظ مبكراً في ذاك اليوم ! جلست أشاهد التلفاز بكل برود ! .. لم يستيقظ في ذلك الوقت إلا أمي .. والخادمة ! بعد ساعة ... رن هاتف المنزل ... تركته يرن منتظرةً أن تجيب أمي! ... فأنا اقل سكان هذا البيت استقبالاً للمكالمات لم ادري ما الذي جعلني أجيب على الهاتف ! _ الو _ صباح الخير _صباح النور مين ؟ _ صوتك مميز .. وينعرف بسهولة .. الحمد الله توقعت إني ما بعرفه ! _ نعم ... مين ؟ _ أنا ...أنا اللي تهزأ أمس على ايدينك ...أتمنى انك تكونين قد حركتك اللي سويتيها أو انك تكونين .. الشخصيه اللي ودي ألقاها فيك _ انت ما تستحي على وجهك تدق على البيت ؟ ... تبي ابلغ عليك الأمارة واقول انك تزعجنا .. ترا عندنا كاشف ... والله لا اشتكي عليك واخليهم يقطونك بالسجن لين تعفن ! _ قبل لا تهاوشين وتسكرين بوجهي ... أبى أذكرك اني اعرف وين بيتكم ورقمكم....... وصندوق الجرايد حقكم كان مفتوح ولسا محد اخذ الجرايد .. فالحقي عمرك ! واقفل خط الهاتف ! لم افهم جملته الأخيرة ... كنت اشتعل غضباً ... أي وقاحة تدفعه إلى معرفة رقم هاتف منزلنا ! بالتأكيد هو الذي تبعنا بالأمس ! جلست متوترة الأعصاب بعد مكالمته ... أفكر في جملته الأخيرة ... ما دخل صندوق الجرائد ؟ جلست برهة ..... ثم قفزت من مكاني متجهة إلى باب المنزل ... فتحت صندوق الجرائد ... أخذت ما يحتويه وعدت إلى المنزل كان من بين الجرائد ظرفٌ صغير ... ظرف!!! توقعت أن يضع قصاصة من الورق تحتوي على رقم هاتفه النقال ولكن بيدي الآن ظرف ! هل افتحه أم أمزقه دون أن اعرف محتواه ؟ أخذت الظرف إلى غرفتي وألقيت به بين كتبي ...سوف اطلع على محتواه فيما بعد .. فأمي ابتدأت بالشك في تصرفي ! مساء ذاك اليوم تذكرت الظرف .. اندفعت إلى غرفتي مسرعة لافتح محتواه وصعقت بما رأيت إلى مراهقة ! [ ( أرجلٌ أنت ؟ ) ... قلتها في تحد ٍ... ضاع مني فمي فماذا أجيب ؟ لا تكوني حمقاء ... ما زال للنسر جناح ... لم أتب عنك يا غبية... عجزا ومتى كانت النسور تتوب ؟ تتحديني وبي كبرياء ؟... لا تمسي رجولتي لو أنا شئت ... كنت استطيع أن أحيلك جمرا ً فأذيب الرخام ثم أذوب ما أنا فاعل بسبعة عشر !... شهد الله انه تعذيب !... شفتاك الصغيرتان أمامي وضميري عليهما مصلوب فمالي كجدار الجليد لا استجيب اذهبي فالصداع يحفر راسي.... لا تصبي الكحول فوق جراحي... فالصراع الذي أعاني رهيب لك عمر أختي ولين صباها وتقاطيعها .... فكيف الهروب ؟ كلما طفت في مكان جلوسي... طاف بي وجهها الصغير الحبيب أين أنجو من عقدتي ؟ ... كيف أنجو ومن ورائي ومن أمامي اللهيب ؟ اذهبي ... اذهبي كسرت سلاحي ... ضاع مني فمي فماذا أجيب ؟ ! ] لك يا مراهقة أضاعت من فمي الحديث ... لك يا مراهقة مست رجولة شاب بليد ... لك يا مراهقة أذابت في الجليد يوسف عجبا ً!!.....ظرفٌ وبه قصيدة من اجمل ما خطت يدا نزار قباني ؟ ...ألأصحاب العقول الفارغة الذين يتتبعون الفتيات إلى بيوتهن بعض الدواوين ؟ شابٌ بتلك الوقاحة يحفظ شعراً كهذا ؟... وأنا لست ذات سبعة عشر !! ... أملامح وجهي طفولية لتلك الدرجة ! ما الذي يقصده من حركته تلك !... ما المفترض علي فعله الآن ؟ .. ابلغ والدتي .. أختي ؟ ... آخى ؟ ماذا سيفعلون ؟ .. أخي بالتأكيد سوف ينفجر غاضبا .. أختي ستجن لا أظنه سوف يعاود الكره إذا أنا لم ابد له أيما اهتمام ... وهذا ما سأفعله سأتجاهل الأمر وكأني لم أر شيئاً! مر ذاك الأسبوع طبيعياً ... أو بالأحرى اعتبرته أنا ... طبيعياً !.... كنت أرى بعض الأشياء الغريبة ولكني كنت أقول أنها مجرد محض صدفة .. لا اكثر ولا اقل ! اخرج من بوابة الجامعة .... حارس البوابة .. سائقي السيارات ... وجه يوسف بينهم ! إشارة شارع منزلنا ... سيارة جارنا احمد .. سيارات أجرة ...باص مدرسه .... سيارة يوسف ! في المجمع.....بعض المتسوقين ... أطفال يلعبون .....موظفي المجمع.......يوسف ! ما هذا أكاد أن أراه في كل مكان !... هذه ليست محض صدف ! ماذا افعل ؟ ..هل اتصل بوالدي ؟ .... لقد طلب مني ذلك ! قال لي في المرة الاخيره التي رأيتها فيه أن لا أتردد في طلب أي شيء ... وان لا اخفي عنه أية َ مشكلةٍ تواجهني ..هل اتصل به أم اتركه في عالمه الخاص بين زوجته و وأولاده ؟ أتـُراني أريد إيجاد أي فرصة لاتصل به ؟.. رقمهُ يستفز أصابعي .. أريد أن أهاتف ذاك الوالد الغائب الذي لم اعش معه يوماً ... ولاكني لا أتجرأ .. لا تزال كلمات أمي ترن في رأسي منذ أن كنت صغيرة .. بأن أبانا لا يحبنا ولا يريد العيش معنا قالت لنا ذلك حتى نتحمل فكرة أننا سوف نعيش من دون أب ... قالت لنا ذلك حتى لا نحزن على فراقه أبى ليس هو الشخص المطلوب الآن .. سوف اخبر أختي لمى فهي الأقرب لي والأكثرُ تفهماً بين الجميع ! في اليوم التالي حاولت إخبار لمى .. ولكن لم استطع .. كنت كلما حاولت التطرق إلى الموضوع ابتدأت هي بالحديث عن حفل زفافها والاستعداد له ! قررت للمرة الثانية بأن أتجاهل ما يحدث ..بما إني لم اظهر له أيما اهتمام ! في كل صباح كنت أتفقد صندوق الجرائد .. خوفا من أن يكون قد وضع فيه شيئاً !... مر اسبوعان ولم يضع شيئاً .. ظننت بعدها انه نسي فكرة صندوق الجرائد ... ولكني لم انس أن أتفقده يومياً كان شيئاً جميلاً ...أعيش كما الأفلام ... انتظر أن يضع لي ساعي البريد خطابا من حبيب !.. ولكني عوضا ً عن ذلك كنت انتظرُ ظرفاً من مزعج ! ولكن كانت مجرد فكرة الخروج كل صباح لصندوق الجرائد ممتعه بحد ذاتها ... حتى وإن لم أجد شيئاً ! ولكن في صباح يوم الخميس وجدت ظرفاً صغيراً آخر !... ارتعشت يداي لدى رؤيته... دخلت إلى البيت مسرعة خوفا بأن يراني أحد ! هرولت إلى غرفتي مسرعة ... وأحكمت إقفال الباب ... وفتحت الظرف ! ورقة تكاد أن تكون خالية إلا من كلمة واحدة !......( أنا آسف) يعتذر ! أيُ جنون ٍ هذا ؟ ..... يعتذر على ماذا ولماذا ؟ ... على كونه وقحاً؟ ..تافهاً... مراهقاً....ساذجاً ... عديم التربية !؟ يعتذر على ماذا !... تصرفاتٌ غريبة ! ... لن أحاول تفسير ما يحدث فليس هناك أي تفسير ! دقائق معدودة ورن جرس الهاتف ! .. _الو _اعتذاري مقبول؟ _على حسب هو على ايش ! _ يوم الشباب يزعجونكم بالمجمع _ ليش تقول يوم الشباب أزعجونا ؟.... قول يوم أنا!... والشباب أزعجناكم ! _ أنا ما نطقت بولا كلمة ذاك اليوم لو لاحظتي ... أنا كنت متفرج ... _ ما يبرر تصرفك .. على العموم اعتذارك مقبول إذا كنت بتبطل حركاتك السخيفه واتوقع انت فاهم قصدي مع السلامة ! أيُ حماقةٍ ارتكبت !..... بدل أن انفجر في وجهه غاضبه حدثته بكل أدب واحترام وأخذت أتناقش معه بكل هدوء ! يالي من غبية ... سوف يتمادى في أفعاله! ذهبت إلى أختي لمى لعلها تجد بعض الدقائق لي !... حتى أشكو لها عن ما يحدث لي من تصرفاتٍ غريبة ! ولكنها أدخلتني في زوبعة الاستعداد لحفل زفافها ! بطاقات الدعوة تملئ ارضَ غرفتها ... أسماء المدعوين كتبت على الجدران !!! ... قائمات الطعام... محلات الأزهار...... كل شيء على الأرض كل ما اشترته من ملابس ... وحلي ... وحقائب... وأحذية... على الأرض ! أهكذا تجن الفتيات ؟ ... أتقلب غرفهم إلى اشد الغرف بعثرة على وجهِ الأرض عند الاستعداد لزفافهن ؟ لدي إحساس باني لن أكون بهذه الحماسة والارتباك عند الاستعداد لزفافي ! ولكن كل ما يحدث أعطاني الفرصة لأتجاهل أمر صاحب الأظرف وانشغل في زوبعة الاستعداد للزفاف المبجل ! أسبوع بلا أحداث ...يبدو أن كلامي قد أثر فيه !... أو أنه مريض !...لا أريد التفكير في الأمر المهم أنه لم و لن يعاود كرته ! طريق الجامعة الطويل الممل!.... كل صباح اذهب إلى أسوء المناطق في مدينتنا ... الشوارع مزدحمة وملئي بالسيارات ! أسرح في أفكاري ...زواج لمى سيقام بعد شهر ..ارسم تصميماً للفستان الذي سأرتديه في مخيلتي .. قاطع حبل أفكاري صوت منبه السيارة وصراخ السائق ... حدث كل شيء بسرعة!...... التفت السيارة بقوة واصطدمنا بعامود النور ! تحطم الزجاج .اندفعت من على الكرسي إلى الأمام اصطدم رأسي بقوة في الكرسي الذي أمامي كدت أن افقد الوعي بدأ كل شيء يسير ببطيء شديد.. استنجاد الماره...... صوت الإسعاف..... وسيارات الشرطة لمحت رجلا يحمل سائقنا المصاب.. والدماء تنصب من جميع أنحاء جسمه.... وأنا لا أزال بين الوعي و اللاوعي...... فاجئني رجل الشرطة محاولا إخراجي من السيارة...سحبني من اذرعي من بين الحطام... ساعدني على الوقوف وقفت على قدماي..... و بدأت استيعاب ما حدث ! حادث !... سيارتنا تهشمت .. سائقنا في حالةٍ حرجه تغطيه الدماء... الأرض ملئي بحطام الزجاج وعامود النور ساقطٌ في منتصف الشارع ... قدامي ورأسي يؤلماني بشدة ! ...لقد خضت تجربة موت ! بدأ رأسي بالدوران....أكاد أن افقد وعيي من هول ما أرى !... بحثت عن اقرب عامود حتى امسك به .... ولكن عوضاً عن ذلك امسك بي شخص ما ! امسك بي وبقوة ! ... وهمس قائلاً .....( ما صار لك شيء..أنتي بخير... اهدي !) لم اعي من هو ذاك الشخص كل ما فعلته هو أن انخرطت في بكاء شديد ..... كنت قد بدأت استيعاب ما حدث ... كدت أن أموت منذ دقائق ....كنت في نزاع مع الحياة.....مر شريط حياتي أمامي سريعاً بسرعة اصطدام السيارة .... خضت تجربة الثواني الاخيره ...و لم يخطر في بالي أن أتشهد ... لمست ذاك الحد الرفيع بين الحياة والموت ولم أمت ! امسك بيدي وأجلسني على حافة الرصيف ... ثم نظر إلى عيني مباشرة ...(اهدي ! ... ما صار إلا الخير....بروح أجيب لك موية استني هنا ولا تقومين !) بعد أن ذهب لإحضار الماء .. عرفت من هو ! ... انه يوسف !. لم أفكر كثيرا فالأمر كنت منهكة القوى .. ورأسي يكاد ينفجر .. وأنا أحاول استرجاع ما حدث ! دقائق معدودة وفقدت الوعي من جديد !... استفقت في أحد غرف الطوارئ في المشفى ... يقف بجانبي طبيب ما ... _ أنا وين ؟ _ انتي في المستشفى الحين .. صار لك حادث سيارة ... والحمد الله ما في كسور ولا نزيف داخلي .. كل الأمر حالة إغماء من هول الموقف ... جابك واحد من الناس اللي شهد الحادث بعد إغمائك على طول ... كلمنا اهلك لا تخافين.. دقائق ويكونون عندك نظرت حولي لاستيعاب المكان ... حاولت تذكر ما حدث لم استطع ... بعض المناظر فقط علقت في ذهني ...منظر السائق مغطى بالدماء ... الزجاج المتكسر في الشارع ... سيارتنا المتهشمة ... يوسف ممسك بي حتى لا أقع .... يوسف ! التفت حينها ورأيته يقف خارج باب الغرفة... يفرك أصابعه بكل توتر ... ربما هو الذي أحضرني إلى هنا فهو الوحيد الذي اذكر وجوده في مكان الحادث ! بدا وكأنه يتمتم بكلمات لا أكاد اسمعها .. يدور بكل توتر عند باب الغرفة ... وفجاءة التف إلى جهة الباب ودخل ! _ السلام _ وعليكم _ سلامات ..ما تشوفين شر كيفك الحين ؟ _ الحمد الله كويسه ... شكرا _ ما سويت إلا الواجب ..كنتي مفزوعة .. عشان كذا دختي ولا الدكتور يقول ما في اصابه ولا فيك شيء غير آثار صدمه _إيه ادري قال لي الدكتور _ كلمو على اهلك وراح يجون أتوقع هم بالطريق الحين لحظة صمت ...بدا التوتر على وجهه ظاهراً .. بدا وكأنه قلقاً ... ومستعجلاً! _ إذا سمحتي لي أنا لازم أروح لان اختباري يبدا بعد نص ساعة ويادوب الحق ! إذا تخافين تجلسين لوحدك اقدر أنادى لك وحده من الممرضات تجلس معاك _ لا شكرا سويت اللي عليك وزيادة روح ... وش دعوه أخاف ! _ أكيد ما تحتاجين شيء ... إذا تبين اجلس لين يبجون اهلك _ لا شكرا ابتسم مودعاً ... واتجه إلى الباب خارجا ً ... صرخت حينها بكل حماس _ يوسف ! التف مبتسماً ...سعيداً.. أكل هذه السعادة لاني نطقت باسمه ! _ هلا ؟ _ جزاك الله خير _حق و واجب وخرج ! وماهي إلا دقائق معدودة واتت أمي وأخي فزعين ! خرجت من المستشفى بعد أن قضيت الليلة هناك ... أصرت أمي على بقائي في المشفى حتى تطمئن !... فهد قضى الليلة معي في المشفى ..... لم أحس يوماً بان أخي يحبني أو يهتم لأمري إلا في تلك الليلة ... حادثني دون خشونة ... حادثني بحنان الأخ فتح لي قلبه وأسراره لأول مره ... علمت منه انه يحب ابنة خالتي ... وانه متردد في خطبتها .. شجعته وامتدحتها له لطالما أحسست بأنه اكثر الرجال خلواً من الرومنسيه والعطف ... لم أحس يوماً بأنه من النوع الذي يحنو أو يحب ... لطالما تخيلته جبل جليد لا يتحرك ولا يحس ... ولا يتأثر بالأحوال من حوله لم أنسى موقفه في أول ليلةٍ قضيناها من دون أبى ... أمي كانت تبكي بحرقه ... وأنا وأختي لمي نجلس عند قدميها ونبكي لبكائها .. لم نفهم وقتها ما كان يحدث من خلافات بينهم ... لم نفهم معنى كلمة ( زوجة أب) ولكن فهد كان هو الأكبر بيننا .. كان ينظر إلينا ليلتها بكل جبروت !... عيناه تلمع قوة !.. أحس ليلتها بأنه سوف يتحمل مسؤليتنا من اليوم وصاعد ! تقمص دور ولي الأمر والأب .. قبل أوانه ... تحمل .. أو حملته أمي المسؤليه منذ إن كان صغيراً من الطبيعي بأن يكون بهذا التبلد ... بهذه الخشونة من الطبيعي أن يكون بهذه القسوة ... يخاف علينا ... ينبهنا لكل صغيرةٍ وكبيرة ... يصرخ ويشتم لأصغر واكبر الأسباب .. خوفاً علينا أخي ..... اكثرُ شخص ٍ فينا تأثر من طلاق أمي ومأساتها ....................................... عدت إلى حياتي الطبيعية .. كل صباح افتح صندوق الجرائد بكل حماس !... ولكن لا أجد شيئاً بدأت نظرتي تتغير تجاهه من شخص تافه .. إلى منقذ ! وجوده في مكان الحادث ذاك اليوم أثر في كثيرا ً اخرج صباحاً أنا وأختي إلى أحد الأسواق التجارية ..قبيل ركوبي السيارة هرولت إلى صندوق الجرائد أخذت ما في محتواه وركبت السيارة _ ما شاء الله كل ذا ثقافة !..وحماس على الجرايد ؟ _ بعد الواحد لازم يعرف وش يصير في البلد ! هزت رأسها محاولةً إقناع نفسها بأنه مجرد فضول للمعرفة ... وجدت بين الجرائد ظرف صغير دسسته في حقيبة يدي بسرعة حتى لا تنتبه لوجوده نظرت عبر مرآة السائق ... ووجدت حارسي ومنقذي يتتبعنا بسيارته ! أي الرجال أنت ليس لديك شيئاً تفعله كل صباح غير تتبع سيارتنا !... تبسمت في داخلي ... وجوده خلفنا يشعرني بالراحة والاطمئنان بعد أن كان يوترني أشد التوتر ! وجوده في مكان الحادث ذاك اليوم منحني الشعور بالأمان ... وجدت فيه ذاك العطف الذي لم أجده من رجل ! أحسست بأنه أبى !... وجدت فيه ذاك الأب الذي لم اعرفه يوما ً ... يقف خلفي ليؤازرني ... يقف أمامي ليصد عني كل مكروه ليته يتتبعني كل صباح ومساء حتى يدفع عني كل سوء وصلنا إلى المركز ... لم أره عند البوابة ولا في الأسياب ...ظننت انه قد ذهب إلى مكان آخر... وانه فقط تتبعنا إلى أن وصلنا بعد دقائق نسيت أمره كلياً.. وانشغلت مع لمي !...و آه من لمى .. تكاد أن تشتري جميع ما بالسوق من ملابس وحلي ! اهكذا تجن العروس قبل زفافها ؟ فاجأني وجهه في إحدى المحلات ... فجأة ودون أي سابق إنذار وجدته أمامي مبتسماً إن الابتسامات فواصل ونقاط انقطاع ... وقليل من الناس أولئك الذين ما يزالون يتقنون وضع الفواصل والنقط في تصرفاتهم ! وهو يجيد ذلك ! ابتسامته تحمل معاني كثيرة .. بريئة .. وخبيثة في آن واحد ! راودني الفضول لمعرفة محتوى الظرف في تلك اللحظة !.. كدت أن اجن واقوم بفتحه أمامه ولكني تمالكت نفسي !. ما إن وضعت قدمي في المنزل حتى انطلقت إلى غرفتي مسرعة .... افتح محتوى الظرف بكل سعادة [ إلى متى اعتكف ؟ .... عنها ولا اعترف ؟ اضلل الناس ولوني باهت منخطف ؟ وجبهتي مثلوجه ومفصلي مرتجف ! يا سرها ماذا يهم الناس لو عرفو؟ لا لن أريق كلمة عنها فحبي لها شرف لو تمنعون النور عن عيني .... لا اعترف ] لم ولن اعترف إلا لكي معجب أنا بك آنستي يوسف رسالة تحمل أشعارا لنزار قباني .... تذيبُ أيَ فتاةٍ كانت ! نزلت إلى صالة جلوسنا ووجهي لا يخلو من ابتسامة خبث !... أسرح في أفكاري وعيني تلمع سعادةً ! جرس الهاتف !... نظرت إلى الهاتف بكل تردد أخي يجلس بجانبي ... أاجيب؟ نظر إليَ أخي قاصدا بنظرته أن أجيب ولكني تجاهلت الأمر ! أجاب هو .. _ الو ... الو .... ؟ مين ؟ ... الو ! تمتم بكلمات لم اسمعها وأقفل خط الهاتف ! ارتجف في مكاني رعباً !... من المؤكد انه يوسف !... ومما زاد من حدة توتري صراخُ لمى تطلبني في غرفتي ! ذهبت إليها مسرعة .. ودخلت غرفتي فوجدتها تمسك بظرف يوسف ! سحبتني إلى داخل الغرفة وأحكمت إقفال الباب وصرخت في وجهي ! _ ممكن تشرحين لي وش هذا ؟ صراخها وتوبيخها لم يسمحا لي بالحديث حاولت التبرير والشرح ولكن هي لم تعطني فرصةً للحديث .. كل ما فعلته هو أن صرخت وشتمت بي ... وكالعادة القي اللومُ على والدي! _ لو كان وراك أبو يعرف يربيك ويمشيك على الصراط كان ما تجرأتي وسويتيها صراخ صراخ صراخ ! أكاد لا اسمع ما تقول من شدة صراخها ! خرجت بعد أن هددت بجملٍ لم اسمعها أو بالأحرى لم افهمها .. ولكن يبدو أنها علمت بأن الأظرف تأتي من صندوق الجرائد! وما إن خرجت حتى اندفعت إلى سريري باكية ما أنا فاعله ؟.. اجننت لاحب شاباً كان يعاكسني في إحدى الأيام ؟ احب شابا يضع لي الرسائل والأشعار في صندوق الجرائد ؟ شاباً لا يفعلُ شيئاً... غيرَ أن يتتبع سيارتنا كل صباح ...؟ أهذا جنون ؟ ... أم عشق ؟ ماذا أقول للمى ؟... ماذا ستفعل بي ؟... من المؤكد أنها ستشي بي عند أمي .. أو أخي؟ ! ويال حسرتي لو أخبرت فهد !... أخي أكثر الرجال انفعالاً على وجه الأرض ! من المؤكد انهُ سوف يجن ! أخي الذي هو من المفترض أن يحل محل والدي ليغمرنا بعطفه وحنانه ... ملئني رعباً منذُ أن كنتُ صغيره ! حتى وان كانت قد تغيرت نظرتي إليه بعض الشيء في يوم الحادث .. فهو لا زال اكثر شخص يرعبني في هذا المنزل ! ولكن لمى فعلت ما لم يكن في حسباني ! ... هاتفت فارسها المغوار .. خطيبها المبجل الكريم ... وطلبت منه ابشع الطلبات على الإطلاق ! أتت إلي بعد ساعة منذ أن كشفت أمر المظروف تحمل بين يديها صندوق الجرائد !...و وضعته في غرفتي ! _ شوفي هالمره عديتها ولا قلت لامي .. قصيت على وليد وقلتله يقشع الصندوق من الجدار ...لان في شباب يحطون فيه أشياء ما نبغاها ! ... واعرفي إن المره الجايه ما بتوصل لامي بس ! .. لامي وفهد ! صفعت الباب بقوة وخرجت ! قضيت ليلتي بين البكاء والتفكير فيما حدث !... كيف انتهت بي الأحداث إلى هذا الوضع كيف لي أن اسمح بحدوث كل هذا !؟.....اللومُ يقعُ علي لا عليه ! .. أنا التي أعطيته الجرأة لفعل كل هذا... منذ البداية .. لم أضع لتصرفاته حداً تماديت في مشاعري تجاهه..سأصلح غلطتي !.. .. وسأقطع كل خيط يربطني به لمى اتخذت أول الخطوات لإنهاء هذه المشكلة ... وأنا سأتكفل بالباقي وسأبدأ بالمشاعر التي ابتدأت بالدنو نحوه ! ما الذي يعجبني فيه ؟ .... لا اعرف سوا اسمه ... نوع سيارته .. وأصدقاءُ السوء الذين يسايرهم ! يبدو شاباً تافها من جميع النواحي! ما الذي جذبني إليه ؟... وقوفه إلى جانبي في يوم الحادث .. حنانُ الأب الذي لطالما افتقدته ووجدتهُ في علامات وجهه عندما رايته يقف عند باب غرفة المشفى متوتراً ... يفرك أصابعه بكل ارتباك ؟ ما الذي سحرني به .... الأظرف ...وآه من الأظرف ومحتواها ! كيف لي أن أتعدى أول تجربةُ حبٍ تمرُ بي ! ... لم اعش مراهقتي كما عشنها باقي الفتيات ... لم اعجب بشابٍ قط ! صعب علي ! أن اتخذ قراراً بالنسيان ! أو بالتجاهل أو بعدم التفكير بالأمر ! .... سأترك اليأس يتسلل إلى قلبي بعد أن تنقطع أخباره ... وحيينها من المؤكد أنني سوف أنسى هذه التجربة ! مر أسبوعان ولم أره !... لم يعد يتتبعني كل صباح !... ولم يعد يضع لي الرسائل لان لمي استأصلت صندوق الجرائد من على الباب ! ... وبفعلتها استأصلت كل الآمال من قلبي ! رن جرس الهاتف ...ليلا في ساعة متاخره ! ... فكرت مليا قبل أن أجيب ! ثم أجبت لعله من أود مهاتفته ! _ الو _ وين الصندوق ؟ _ لو سمحت خلاص لا عاد تتقرب لي بأي طريقة كانت ... سببت لي مشاكل مع أهلي _ بس أنا كان كل قصدي إني ... _ لو سمحت لا تكمل خلاص ! ... مع السلامة أقفلت خط الهاتف وأنا أتحسر ندماً .. ولاكن هذا هو المفترض فعله .. في اليوم التالي في فناء الجامعة .... اجلس تحت أشعة الشمس بكل توتر ! ... انتظر وقت دخولي إلى قاعة الاختبار أحاول مراجعة ما استذكرت من دروس ! ... ولكن لا فائدة ... قذفت ما في يدي من أوراق وجلست أشاهد المارة على بعد مسافة ليست بقصيرة ... تقف فتاة بكل استحياء ... تبدو اصغر مني سناً تنظر إلي وكأنها تريد قول شئ ٍ ما نظرت إليها بتمعن ثم ابتسمت .. ردأ على ابتسامتها الخجلة ثم بدأت بالمسير نحوي تمشي بخطاً مترددة وبكل خجل ! تطأطأ رأسها أرضاً وقفت أمامي ثم ابتسمت ... ومدت إلي بظرف صغير _ يوسف وصاني أعطيك هذا الظرف ! .. أنا أخته الصغيرة ألقت بالمظروف في حضني وفرت هاربة ! ... لم تعطني فرصةً للرد !... أيُ عائلةٍ غريبةٍ انتم ! دسست الظرف في حقيبة يدي لافتحه عند عودتي إلى المنزل دخلت قاعة الاختبار ... أكون كاذبة إن قلت أني اذكر ما كتبت من أجوبة ! .. فكري كان مشغولا ً في الظرف وكاتب الظرف..... ملئت الأوراق بأجوبة لا تمد لمنهجنا بأي صلة وخرجت عجلة أسرعت الخطا إلى السيارة .. وما إن وضعت قدمي فيها ... حتى أخرجت الظرف وقرأت محتواه أي يد يمتلك هذا الشاب ليكتبَ بخطٍ سلس كهذا ؟ .... أي دواوينٍ يمتلك لينسخ لي اجمل الأشعار منها؟ أكاد أن أذوب لاصبح بقعةَ فتاةٍ في ارض السيارة من هول ما اقرأ ! طبقت الرسالة ووضعتها في حقيبة يدي ... وابتدأت اسرح في أفكاري من جديد ! قاطع أحلامي صوت المذياع ... بأحد الأغاني الشعبية البحته ( وراك وراك ... مطرح ما تروح وراك !!) .. تبسمت في داخلي من كلمات هذه الاغنيه الساذجة ! في بعض الأحيان أحس بان الأقدار تحادثنا وتمازحنا عن طريق المحسوسات حولنا ... تنبأنا بالأحداث قبل حدوثها .. ولكن ليس هناك من ينتبه لتلك العلامات البسيطة حولنا في بعض الأحيان تضحك معنا وفي بعض الأحيان تهزأ بنا وبسذاجتنا بمفارقتها ... اليوم كل شيء في صفي ..... حتى المذياع ! تمضي الأيام.... وأنا أسقى من كؤوس الحب وارتشف اجمل معانيه من أحرف كلماته التي تصلني بيد أخته البريئة... أراها كما الشمس.. تطل علي بابتسامتها الخجلة تمدني بالرسالة.....لتعيد فيَ الحياة ثم تذهب... لتتركني ادخل في عالم الأحلام مع أول أحرف كلماته في أحد الأيام كتب لي في اسفل رسالة بخط عريض ( إني أموت غراماً آنستي ) قليلٌ هم الذين يعرفون معنى الغرام ...الغرام هو قمة العذاب وشدة الألم ... غريب أن تكون كلمة كهذه وصف لقمة الحب والهيام ..أإذا وصل الحب إلى قمته .. اصبح عذاباً وألماً ؟ الله وصف عذاب جهنم بالغرام ! [ إن عذابها كان غراما ] هل جميع المحبين يتعذبون ؟ ... أم فقط من تصل بهم المشاعر والعاطفة حد الجنون ؟ أتتعذب يا يوسف ... هل وصلت إلى قمة المشاعر حتى أصبحت تعذبك ؟ سيدي إذا كنت قد مت غراماً فاعلم إني أموت ألف مرة من غرام حبك كتبتها في اسفل أول رسالة أخطها بيدي إليه ... فقد مرت اشهر وأنا لم أجب عليه ولو بسطر ! جاءتني بعدها رسالةُ ردٍ أذهلتني وأبقتني لساعات أتأمل كلماتها .... وارقص فراحاً لشدة ما أحسسته من معان ٍ فيها وأخيرا ً .. أخذت منك رسالة ...بعد عام لم تكتبي لي خلاله عرشت وردة على الهداب .. لما رحت أتلو سطورها في عجالة أبريد الحبيبة الغض .. هذا ؟.......أم ربيع مجرر أذياله ؟ فعلي ارض حجرتي اندفع الزهر .. وفوق الستارة المنهالة مرحبا ً. ..ضيفة الهوى ...بجفوني , رقعه , عاطفية . سلساله كل حرف فيها خزانة طيب ... ياله عطرك النسائي .. ياله ! انه خطك النسيق .. أمامي ... مد فوقي وروده وظلاله أنثوي ... ململم الحرف ..ممدود .. احب إنخضاره .. اونفتاله أنت في غرفتي .. وما أنت فيها ...صورة في خواطري مختالة أنت بين الحروف ..هدب رحيم .. وفم رف رحمة ونباله لا تكوني بخيلة .. واكتبي لي في عروقي مقر كل رسالة يوسف .................... تزوجت لمى ... بكيت ليلتها كما لم ابك من قبل ! ... أول ليلة لي دون أختي ... فقد بيتنا أحد أركانه ... لا اعتقد باني كنت سأفتقد فهد إذا ما تزوج ... ولكن لمى ... بصراخها... بمزاحها الثقيل .. بجبروتها .. بقوتها ... بغرورها .. وغيرتها كانت تملئ حياة أياً كان ....لطالما ملئت أركان هذا المنزل بضحكتها الساحرة ... بالرغم من خلافاتنا ونزاعاتنا وغيرتنا الشديدة ... إلا أنني أحببتها ... وأحببت وجودها قربي ليلتها شعرت بشعور فقدان شخص عزيز للمرة الثانية .... أولا أبى والآن لمى ... ولا اعلم من سيكون التالي ؟ بعد يوم من زفاف لمى أتى أبى إلى منزلنا ... استغربنا وجوده ... أتى ليودع لمى .. أو ليراها فهي ترفض مقابلته منذ سنين ... ولم تدعوه في حفل زفافها ...قابلته فقط في يوم كتب كتابها ولم تصافحه لمى لم تنس انه تخلى عنا في يوم من الأيام .. وفضل أخرى على والدتي ... حتى عندما أتى بعد يوم زفافها رفضت مقابلته .... وانسحب خائبا من منزلنا في تلك الليلة لم انم ... أفكر فيما إذا كان أبى قد نسينا أم لازال متعلقاً بنا ؟ رن جرس الهاتف في وقت متأخر ليلاً....ترددت قبل الإجابة ولكني أجبت لعله من سكن بين أضلعي _ الو _هلا _أقولك شيء يضحك ؟ صمت مستغربه ! أي الرجال أنت تبدأ حديثك دون مقدمات ! _ تدرين إني ما اعرف وش اسمك ؟ انفجرت ضاحكه.... وأيُ رجلٍ هو يحب دون أن يعرف اسم محبوبته ؟ _يعني كل هالرسايل اللي تكتبها لي ... وما تعرف اسمي ؟ _ على الأقل أنا في كل رسالة أذكرك باسمي واكتب تحت يوسف ... انتي ما كتبتي برسالتك وما عمرك جبتي طاري _ اجل كيف اختك عرفتني بالجامعة ؟ _ وصفت لها شكلك ... وقلت لها اسم عيلتك .. الشيء الوحيد اللي اعرفه _ تبي تفهمني انك ما تعرف ايش اسمي يعني ؟ _ يمكن اعرفه .... بس أبى اسمعه منك ... تفرق منك ... يمكن يكون أحلى رددت عليه بكل خجل.... بكل غنج.....بكل دلع _ اسمي فدوى لحظتها اثبت أن (إن كيدهن عظيم !)...... وأقفلت خط الهاتف ! ليلتها ضرب على وترٍ حساس !... لطالما اعتقدت إني املك اغرب الأسماء وأصعبها ! ! بعد مرور ثلاثة أسابيع .. عادت لمى من شهر العسل ... واتت لزيارتنا هي ووليد ...لكم جميل هو منظرهما ...يجلسان بجانب بعضهما البعض .. بكل سعادة يعلنان حبهما للجميع .. لا يخافان الأنظار ... يضحكان .. يتغامزان .. بل حتى قبلا بعضهما البعض منذ دقائق ! ... اسرح فيهما بكل سعادة ... آه لكم أحسدكما ! تخيلت اليوم الذي سآتي فيه أنا ويوسف لزيارة منزلنا بعد شهر العسل .. سيكون منظرتا اجمل منهما بكل تأكيد ... فنحن متحابان من قبل الزواج ! ... ستلمع السعادة في أعيننا وسيراها الجميع ..وسيغبطنا الأهل ..وسيحسدنا الأصدقاء ... أكاد أموت شوقا لهذا اليوم ! وبعدها سيأتي اليوم الذي سوف نبشر فيه أمي بقدوم حفيد لها ... ونغمر قلبها بالسعادة .. ونبدأ في انتقاء الأسماء .. والخلاف عليها ! ......آه ما هذا ! ... فدوى توقفي !!! ... لا تسرحي بخيالك بعيدا هكذا !! ...بدأت بهز رأسي يميناً ويساراً كي ابعد هذه الأفكار عن خاطري واهمس في داخلي ( بس !! .. بس !! ) _ بسم الله عليك شفيك تهزين راسك ؟....و بس بس ؟ _ آه .... كانت قدامي ذبانه..... وو آه ... وما كنت ابغاها تلمس وجهي ! للمعلومة فقط ... أنا أغبى النساء على الإطلاق في تصريف الأمور ! اصبح يجري مجرى الدم في شراييني ..رسائله تملأني عشقا ً من رأسي حتى أخمص قدامي .... مكالماته النادرة لي ليلا ... التي تنتهي ببضع جمل ... ببضع غزل ... ببضع عذاب .... كانت تمدني بالحياة غريب أن يخاف الناس بأن يقعو في الحب ...عذابه حلولاً ... ومرُه عسل ..مجرد فكرة بأن هناك شخصٌ ما .. يفكر بك ليلا ويتمنى أن تفاجئه في أحلامه ... تجعل أيا كان في قمة السعادة ! يأتينا العشق من حيث لا نحتسب ... يتسلل إلى أعماقنا دون أن نحس ... يغزو أفكارنا دون أن نبالي ...نستسلم لجبروته دون مقاومة ....عندما نعشق نتوقف عن التفكير ...نتوقف عن الاهتمام بما حولنا ... نضرب بعرض الحائط بكل معتقداتنا .. بكل تقاليدنا ... بكل كرامتنا ...فقط من اجله ! كيف لشعور كهذا أن يقلب حياة الآخرين رأساً على عقب !... أو أن يقلب حياتي أنا رأساً على عقب ! فأنا منذ أن أحببته وأنا افعل اغرب الأشياء ... أتمتع بأتفهها...اصبح لكل شيء من حولي طعم ومذاق آخر أصبحت استشعر قيمة كل شيء من حولي...اصبح لمنظر الأطفال وهم يلعبون معنىً آخر.. ولطعم القهوة مذاق آخر .... وللون السماء تفسيراً آخر ...ولقرصة البعوض ... إحساساً آخر التقيته ذات صباح .. في إحدى المحلات التجارية .. لرؤيته تقشعر كل خلية في جسدي... واعجز عن نزع الابتسامة من على وجهي !.. لمنظر ابتسامته .. نشوة انتصار ..أسعيدٌ أنت لرؤيتي ؟ لرؤية محبينا إحساس غريب !..نشعر بالحياء ولكن مع ذلك تقودنا الخطوات إليهم ..نخجل أن نراهم ومع ذلك نرفع أبصارنا إليهم .. لنستكشفهم ... لنستشف من نظراتهم بعض الجمل ... أليس هناك لغة للأعين ؟ يومها لم يكن لأعيننا لا لغة .. ولا حديث .. فلم يكن وحده آنذاك كان معه أحد أصدقاءه ....لمجرد رؤيته معه .. تذكرت موقفنا التافه ...لماذا يصادق هذه الطبقة المنحلة من المجتمع ! كيف له العيش بينهم دون أن يتأثر ! صديقه يكاد يقتلني بنظراته ... شعرت بالضيق وخرجت مسرعة ! ليلتها عشت في عالم الأحلام ولم أطأ ارض الواقع .. استرجع شريط رؤيتي له.. ابتسامته نظراته .. طول قوامه ..عرض منكبيه .. لكم غريب أن نعشق كل شيء في محبينا !.. نغض النظر عن كل ما فيهم من عيوب ! نرى ما نريد أن نراه فيهم .. ولا نرى ما نكره .. نسمع ما يزيدنا فيهم عشقاً.. ولا نسمع ما يخدش علاقتنا بهم !...عندما نشتم رائحة الخلاف نبدأ في تهدئه الوضع ... عندما نشعر ببرود المشاعر ..نحاول قدر إمكاننا ....أن نعيد إشعال الأحاسيس بيننا مهما وصفت .. ومهما عبرت ... لن أستطيع وصف هذه المشاعر .. ولن أعطيها ربع حقها ...إنها أحد نقط التغيير في حياة كل إنسان . …………………………… اجلس في صالة جلوسنا بكل برود ... أتفرج على شاشة التلفاز بكل بلاهة ..ليس هناك شيئا افعله !... أفزعني منظر أختي لمى عندما دخلت فجاءة من الباب ... معالم وجهها تكاد تختفي من شدة الحزن الظاهر على وجهها ... ركضت إليها مسرعة .. أمسكت بها وهززت جسمها النحيل بين يدي ...أختاه ما بك ؟ انهارت بين يداي باكية ...وقعت في حضني تعتصر ألماً....بكت كما لم تبكي من قبل ... طوال حياتي لم أرى لمى تبكي بهذا الشكل صوت نحيبها ملئ أرجاء المنزل أتت أمي فزعه يتبعها فهد ..صرخنا بها جميعا ما بك !.. ولكن ليس هناك إجابة .. فقط الدموع .. الحسرة على ملامح وجهها عبرت عن الكثير ..الغصه في بكائها وضحت عن القهر ....آثار الكدمات على وجهها ويديها ...فسرت كل شيء أي جبروت يتملك الرجل إذا اقدم على ضرب امرأة؟ .....وأي ذل يتملكها هي حين تضرب ؟ .. أي قلب يمتلكه ليراها تنتحب بين يديه وهو يذيقها المرار براحة كفيه ضرباً؟...أي جبن هذا يدفع رجل بأن يستعرض قواه في امرأة؟ عادت لمى إلى المنزل ... عادت بعد أن اهينت على يدي من وضعت ثقتها فيه ... اهينت على يدي من كانت سوف تستامنه على اطفالها .. أهينت على يدي من كانت تظنه سوف يكون أبا صالحا وزوجا حنونا هل كانت تتوقع لزواجها مثل هذه النهاية ؟ ... هل كانت تظن أن حياتها الزوجية لن تستمر لأكثر من أربعه اشهر ؟ أي قدر هذا الذي جعلها تخوض هذه التجربة للمرة الثانية .. لكن هذه المرة هي التي خاضتها وليست أمي بعد أن عادت لمى خفت كثيرا ألا تفضح أمري مرة أخرى ... ولكن حالتها النفسية والجسدية لم تمسح لها بذلك ... لم تعد بنشاطها مثل ذي قبل .. لم تعتد تهتم ... ولكنها على علم بما يحدث .. فالعاشق تفضحه عيناه أصبحت الرسائل تملئ أدراجي ..ورسائلي إليه قد كثرت .. أصبحت اكتب له في كل أسبوع رسالة ..واصبح في كل أسبوع يهاتفني مره ... في نفس اليوم ... وفي نفس الوقت ... وكالعادة .. بضع جمل .. بضع غزل ... بضع عذاب وتنتهي المكالمة .. لا تتعدى الدقائق في ليله استحضرني طيفه في غرفتي ...الرغبة التي تسكنني الآن تمنعني من التفكير ..تشعلني تحرق أصابعي .. تمنعني من الكتابة ..بل ربما أرغمتني عليها .. ولو لم يكن أمامي هذا الهاتف . الذي يمنحني وجبة عشق فوريه .. تجعل من الحماقة الجلوس أمام ورقة لاستحضار حبيب بالكتابة ! اتجه نحو الهاتف لانتظر ذاك الرجل .. وأنا أفكر فيما سببه هذا الجهاز من خسارة للأدب !...فكم من نصوص ٍ جميلة ..وكم من رسائل حب لن تكتب ... قتلتها كلمة ( الو ) ..! ولكن قاطع حبل أفكاري ..صوت الهاتف .. أجبت بكل حماسه .. ولكن لم يكن من توقعت مهاتفته !..يحدث لكلمه (الو) أن تقتل الأحلام أيضا ! _ مين ؟ _ معجب أقفلت خط الهاتف بكل غضب ! ... شباب تافه !.. عاود الاتصال ولم اجب .. مره واثنتان وثلاث ! ... خفت أي يجيب فهد !... فأجبت وأنا اشتعل غضبا ! _ نعم ! _ يعني يجوز ليوسف يكون معجب وأنا لا ؟ صمت جامدة ! _ شفيك سكتي؟ _ مين ؟ _ فاعل خير ...أبى أوضح لك بعض الأمور ... تحبين أسمعك شيء ما يسرك ؟ لا زلت بين الاستيعاب وإلا استيعاب ! أدار شريط ما على خط الهاتف بدأت بسماع حديث يدور بين اثنان .. بدا أحد الطرفين صوتي !... ولكن الطرف الآخر كان ما لم يكن في حسباني ! .... انه صوت يوسف !.... وهذه المحادثة كانت منذ عدة أيام ! ما هذا .. ما الذي اسمعه _ وش رايك بللي سمعتي؟ _ مين انت و من وين جبته ؟ _ مو مهم انا بس أبى أذكرك إن الناس اللي زي يوسف لما تسوي أشياء زي كذا وتحتفظ بمكالمات زي كذا وشو مغزاها من هالشيء و وشو ممكن تعمل فيه ... وأنا نبهت ! مع السلامة يا حلوه وانقطع خط الهاتف ! بقيت في مكاني ساكنه ... لا معالم على وجهي !... لا حراك في جسمي ... فقط آثار صدمة عمر !...لم أتحمل فكرة استيعاب ما يحدث !.. جلست في مكاني ساكنه دون حراك ودون أي ردة فعل !.. لكم صعقت حيينها بتلك المكالمة ! بعدها بدأت خطوات الانهيار بالبدء... بكيت حتى كادت عيني أن تختفي من على وجهي !... نحبتُ حتى تقطعت أحبالي الصوتية ...عكفت في غرفتي دون حراك.. أبكي بحرقة المخدوع ... أنحبُ بعذاب المظلوم كيف لقلبي تحمل مأساتي ؟ بعد ساعات من البكاء المتواصل .. انزل ربي سكينته .. هدأت وبدأت في التفكير فيما سأفعل !... واتخذت اكثر القرارات جنونا ! اعتكفت أمام الهاتف انتظر مكالمته ... حتى رن الهاتف ! _يوسف ما ودك نلتقي يوم ؟ _ نلتقي ؟ _ ايه فيها شيء ؟ لحظتها كنت اكثر النساء جنوناً على وجه الأرض .. أخذ يخطط لملتقانا بكل سعادة ..وأنا افتعل الحماسة معه ... وأنا نيران تلظى تغلي في جوفي ! وتم الاستعداد له ! أتى اليوم الموعود أخذت محتوي كل أدراجي من رسائل وخطابات و وضعتها في حقيبة يدي ... اختلقت اغرب الأسباب حتى أستطيع الخروج وحدي وفي هذه الساعة المبكرة ! ركبت السيارة بكل قوة .. دون مبالاة .. ودون دموع ! وصلت إلى مكان ميعادنا ... دخلت والرعشة تتسلل إلى أطراف جسمي ... ولكن ليس هذا هو وقت الجبن ! وجدته جالساً على الطاولة يفرك أصابعه بكل توتر !... جلست أمامه ابتسم ابتسامه هادئة ... همست في داخلي(أي ذئبٍ تخفي بداخلك !) وقبل أن يبدأ بحديثه أخرجت جميع الأظرف من حقيبتي .. وألقيتها في وجهه !.. تصلب في مكانه مستغرباً .. وعلامات التعجب تعلو وجهه ! _ كنت أتوقع انك تكون وقح .. انك قليل أدب .. ما تربيت ما عندك دم .. بس انك تستغفلني بهالطريقه .. آخر ما توقعته .. انك تعلقني فيك وآخرتها تسوي فيني كذا .. ما هقيتها منك .. تملاني فيك ثقه .. ترسل وحده تقول إنها اختك تعطيني ظروف تخدرني بيها عشان تستدرجني ... ما اصدق الجرأة اللي أنت فيها ... وش سويت لك أنا ؟ وش كان ذنبي عشان توهقني معاك... أنا وحده في حالي لا عمري عرفت علاقات ولا عمري حبيت .. كذا انتو دايم ضحاياكم ناس ساذجة زي ؟... تخيلها تحبك وتقعد بعدين تسجل لها اشرطه عشان تهددها؟... أي خبث فيكم ؟.. أي جرأة ؟ ... أي أخلاق أي دين !....أي رجولة.. ليش كذا ليش ؟؟؟.. .حسبي الله ونعم الوكيل فيك وقفت من مكاني وأنا أكاد أن أقع أرضاً من شدة بكائي امسك بيدي حاول.. أن يجلسني مرة أخرى لم أعطه ِ فرصة للحديث .. حاول الشرح ... ولكني لم أعطه الفرصة... حاول سحبي ولكن ابتدأت بالفرار ... أطلقت ساقي للريح واتجهت إلى السيارة .. تبعني هو وقبيل أن اركب .. امسك بي بكل قوة ... امتلئت عيناه بالدموع !... حاول الحديث ولكني افلت من بين يده .. وركبت السيارة .. وانطلق السائق ابكِ كما تبك النساء على ملك لم تحفظه ! ... ابك يا يوسف ابك ... ابك على فتاة استهزأت بمشاعرها .. ابك على فتاة كدت أن تهدر شرفها ... ابك على مصيبة ستحل بك عندما يحين وقت الحساب ... ابك يا يوسف ابك في الطريق عشت أسوء لحظات حياتي... المباني كانت تبكي لبكائي... الماره ينتحبون لنحيبي ... حتى إشارات المرور أطالت من انتظارنا حتى ترى مأساتي ... حتى المذياع شاركني أحزاني .. ببثه أكثر الأغاني حزنا ! ( وليله كانت الفرقا .. وقالت لي فمان الله ... ليله ذكراها يبقى على قلبي ولا انساه وجت تاخذ رسايلها وخصلة من جدايلها ... وتديني جواباتي بقايا عمر بسماتي وقالت لي ........فمان الله في ليله كانها الليلة عرفتك بسمتي وفجري... وفي ليله زي ذي الليلة وهبتك في الأمل عمري يا ريت البسمة ما كنت ولا الإحساس ... ويا ريت الدنيا خانتني وكل الناس ولا خنتي هواي انتي .... ولا قلتي فمان الله لا تردين الرسايل أبش أسوى بالورق ؟..... وكل معنى في المحبة ذاب فيها واحترق لو تركتيني في ليله بسمتك عند الرحيل ... دمعة العين الكحيلة عطرها الواهي دليل وليله كانت الفرقا..... وقالت لي .....فمان الله) ليلتها بكيتُ رجلاً ... بكيتُ شهماً... بكيتُ أباً... بكيتكَ أنت يا يوسف... بكيتُ ثقةً ضاعت .. وحبٍ تمزق .. ومشاعر أهدرت ..أي حبٍ هذا ابتدأ في حادث وانتهى بلقاء .... أي قصةٍ هي قصتي.. .ماذا سيحدث لي بعد هذا . هل سيثور . هل سينتقم لفعلي ؟... ما أنا فاعله ! لحظةُ الصدمة قد تكونُ مؤلمة ..قد تكونُ موجعة .. ولكن ليست كلحظةِ الفراق .. وان كنت غاضبه وان كنت أنا المظلومة .. وان كان نذلاً واطياً ... فلمنظره وهو يبكي وقعٌ خاص !... رجل يبكي ؟ وليس أي رجل !!... يوسفٌ يبكي !! عند لحظةِ الفراق .. تنقطع كل الآمال... عند لحظة الوداع ..تخرجُ كل المشاعر ....عندها فقط .. نحس بقيمة ما كنا نملك .. وان كان وهماً! حتى وان كنتُ قد خذلت وخدعت .. فأنا اشعر بالزلازل تجتاحُ قلبي...اشعر بالبراكين تحرقُ صدري ... كيف لي أن أتعدى هذه التجربة .. كيف لي أن امضي في حياتي بعدها ؟...تذكرتُ لمى و كيف كانت صدمتها في زوجها ليتك ابرحتني ضربا ... قبل أن تمزق قلبي بهذه الطريقة ! ………………………… مضى شهر منذ الصدمة ... شهر منذ افظع الحقائق ... شهر من العذاب المتواصل .... لم أر فيها يوسف .. ولم اسمع عنه أي خبر .. حتى من كانت تدعي بأنها أخته لم اعد أرها في فناء الجامعة .. أتعذب ليل نهار وابكي بحرقه ..... أمسكت بوسادتي يوماً .. نظرت إليها وتمعنت في زخارفها.. جميلٌ هو منظرها ... ملأتها بالثقة .. بالحب والحنان والعطف ... ضممتها إلى صدري ... نظرت إلى المستقبل المشرق فيها ... حاولت الحفاظ عليها .. فعلت المستحيل لأكسب رضاها ... بعت كل ما املك من قناعه ومبادئ لأجلها ... تلك الوسادة كانت أنت يوسف ! وبدلا من أن تمنحني الراحة والأحلام ... أصبحت تملئ منامي بالكوابيس !... غدرت بي .. وطعنتني ظلماً وجوراً ...حطمتني واستهزأت بمشاعري ...اجتاحت كياني وحطمته ! .. أمسكت بها وبكل وحشيه صرت اضرب بها عرض الحائط ... مزقتها كل ممزق .. تحولت إلى قطع من القماش والقطن .. هباءاً منثوراً في أرض الغرفة ! نظرت إليها بكل حقد .. بكل غضب ..بكل أسى ... أخذت أتمعن في أطرافها الممزقة المترامية ... بكيت لمنظرها ... خارت قواي ووقعت أرضا .. أحاول جمع ما تقطع منها ... ولكن عبثاً !.. كيف لي أن اجمع ما تمزق وتحطم ؟ .. كيف لي أن أسامحك يا يوسف ؟ .. كيف لي أن أعيد ثقتي فيك ؟ .. كيف لي أن أنسى ما حملته لك من حب ومشاعر جمعت ما تبقى من فتات الوسادة ...جمعت ما تبعثر من مستقبل مشرق كنت احلم به.... ضممته إلى صدري ... ونمت ليلتها و دمعي ينصب على خداي صباح اليوم التالي استيقظت بكل تثاقل ... نظرت إلى المكان من حولي .. أشبه بساحة معركة ... بدأت بجمع الفتات من على الأرض .. دخلت أختي لمى .. نظرت إلي بكل عطف .. جلست بجانبي أرضاً ... وضمتني إلى صدرها ... فانفجرت باكية _ كلهم كذا ...لا تبكين على من ما يستاهلك ... حتى الدموع حسافه فيهم أختاه !... أنقذيني من نار تلظى في صدري ... أختاه أكاد أموت شوقاً إليه ... كيف لي أن احب شخصاً غدر بي؟ ... كيف لي أن اشتاق لرؤياه ؟ .. لا أستطيع الحقد عليه .. لا أستطيع كرهه ..لا أستطيع محوه من ذاكرتي ... أختاه أنقذيني فإنني أفنى ! جلست ابكي في حضنها لساعات .. لم نتكلم .. بقيت تسمك بي بين اذرعها وتمسح على شعري .. تحس بمأساتي دون أن أتكلم ... تشعر بي دون أن أوضح .. تبكي وتتعذب لعذابي.. وتحاول أن تطفئ غليلي .. ولكن دون جدوى ! انقضى ذاك اليوم طويلاً ومملاً لأقصي درجه ... كنا نجلس جميعا في صالة جلوسنا .. أتى فهد وسألنا عن أحوالنا .. ثم بدأ حديثه .. بأنه سيقدم على خطبة ابنة خالتي .. فهو يحبها منذ زمن ... قال لي ذلك عندما قضى معي الليلة في المستشفى ! .. ولكن بعد مناقشه تفاصيل الأمور مع أمي ... نظر إليَ أنا ولمى ... وقال بملئي صوته ( بس خطبه ... الزواج أن شاء الله بعد ما اتطمن على لمى وفدوى ...) تبادلنا أنا ولمى نظرات الأسى ! .... والاستهزاء ! ... إذا كنت سوف تنتظرنا يا فهد .. فلن تتزوج أبداً !.. فبعد تجاربنا لا أظن أننا سنثق برجل ما !. ……………………. ليس هناك أي أحداث .. نفس الروتين اليومي .. طريق الجامعة الطويل .. الملل في أرجاء منزلنا .. والبكاء ليلا على حظي العاثر قبيل نومي !...ليس هناك أي تطورات .. ليس هناك أي جديد .. في طريق عودتي إلى المنزل ... صوت المذياع ... كلمات تلك الأغنية أوقفت غصة في صدري !...( وعمري يا غلا فدوى لعيونك !)... كنت كلما عبرت له عن كرهي الشديد لاسمي ... غنى لي هذا المقطع من هذه الأغنية... لماذا هذه الأغنية تبث الآن ؟ ... لماذا تشعل نيران الجرح في صدري ... لماذا كان صوت المذياع دائما إلى جانبي ؟... يحادثني عن طريق بثه لأكثر الأغاني قهراً!... لماذا ؟ دخلت منزلنا وأنا أحشائي تكاد أن تتقطع من شدة حزني .. كنت انوي الهروب لغرفتي حتى افرغ ما في صدري من قهر !... ولكن استوقفني فهد ! أجلسني بجانبه .. بدأ يحدثني باني قد كبرت ... وأني لم اعد تلك الفتاه الصغيرة المدللة.... وأنها سنة الحياة .... اعرف هذه الديباجة جيدا ً....!!! هناك من تقدم لخطبتي ...بدأ يمتدح الشاب وأهله ويمتدح سلوكهم .. وانه من عائله مرموقة ... وان ما حدث لأختي لمى .. لا يجب أن يأثر علي .. فالناس ليسو سواسية ..... أنهى خطبته بأنه سوف يمهلني وقت للتفكير ! ولكني في ردة فعل كنت غير مدركة لعواقبها ... أجبته بالموافقة !!.. طلب مني الاستخارة والتمهل في قراري !... ولكني أجبته بأن من تراه مناسب لي .. زوجني منه ! قد يستغرب البعض ردة فعلي تلك .. ولكن كان هذا هو القرار السليم .. أنها الطريقة الوحيدة التي عبرها سوف أنسى يوسف وأتعدى تجربته المريرة ....انه الحل الوحيد للنسيان ! مرت الأحداث والأيام بسرعة البرق ... التقيته في (النظرة الشرعية التي تحق للخاطب )... كنت متبدلة الأعصاب يومها .. دخلت بكل برود ... ألقيت التحية بكل سذاجة !... حاول هو كسر حاجز التوتر ! فقام بالحديث معي وسألني بعض الاسئله _ كيف أحوالك ؟ _....آه.... ابوي بخير الحمد الله !! _ههههه .. أنا أسال كيف حالك أنتي ؟ _ نعم !..... آه ... ايه بخير .. بخير الحمد الله ! أنت كيف صحة الوالدة ؟ نظر إلي بكل استغراب !...ثم ابتسم ضاحكا ! _ أمي .. الله يرحمها ويسكنها فسيح جناته ..وإذا كان قصدك كيف حالي ... أنا كويس الحمد الله ! لحظة صمت استوعبت فيها سؤالي الساذج !.. الذي إذا كان قد دل على شيء ما فقد دل على مدى غبائي ! _ انتي في ايه مرحلة الحين ؟ _أنا خلصت مدرسة ! .. من زمان ! _ اعرف قصدي أي سنه بالجامعة ! _آه آسفة !... سنة ثانيه ..أدب إنجليزي ساد الصمت ! رفعت ناظري إليه .. ولم أر وجهه ... كنت أرى وجه يوسف !... ابتسمت بسعادة ...بل ابتدأت بالضحك ... _ عادي الكل يتوتر في هاذي المواقف ! صوته أعادني إلى أرض الواقع !... كنت أتخيل يوسف !... وصلت إلى حد الهلوسة !... يجب أن اخرج من هذه الغرفة قبل أن ارتكب أي حماقةٍ أخرى ! استأذنت بالخروج .. اندفعت إلى غرفتي مسرعة .. أقفلت الباب خلفي .. وانهرت باكية !... ليتك كنت أنت من تقدم إلى خطبتي .. ليتك كنت من قابلته اليوم ... يا ليتني قلت تلك الحماقات أمامك .. فكنت سوف تفهم بأنها ليست تلك هي شخصيتي .. لكن ذاك الغريب الذي جالسته منذ دقائق .. سوف يعدل عن قراره بكل تأكيد .. بعد أن التقى بي ! بعد يومان استغربت بأنه لم يعدل عن قراره ... واتى فهد يسألني عن موافقتي النهائية ... جمدت صامته !... إنها النهاية !..ما أنا فاعله .. صمت أفكر .. سرحت بأفكاري بعيداً....نظر إلي فهد بتمعن _ سكوتك يعني موافقة ؟... مستحيه ؟ ... وش فيك .... فدوى ! هززت رأسي بالنفي _ ما تبينه ؟ هززت رأسي بالنفي مرةً أخرى _ ما فهمت فدوى احكي ! كنت في عالم آخر !..لم. اسمع أي كلمة مما قال... كنت أتخيل ... عدت إلى الهلوسة مرةً أخرى !...ابتسمت بعذوبة لمنظر يوسف أمامي ! ابتسم فهد لابتسامتي ... ألقى على عبارات التباريك .. وخرج ... وأنا لا زلت بعالم الأحلام ! بعد سويعات ...علمت أنى وافقت على الزواج !.... كيف حدث ذلك ؟.. لا اذكر كل ما اذكره هو باني دخلت وفهد إلى الغرفة .. وأني سرحت في عالم آخر .. وخرج فهد بعد عدة دقائق ! حدد موعد كتب الكتاب دون علمي .. أو ربما سألوني ولكني كنت في عالم آخر وأجبتهم دون أن أحس بذلك !... فهذه الأيام أصبحت أعيش في عالم الخيال ... ولا أطأ ارض الواقع .. إلا ما ندر ! أتى اليوم الموعود ... لا زال صوت الشيخ يرن في رأسي ... _ هي تقبلين الزواج بــــ ...؟ اذكر أني يومها سمعت اسمه بدلا من اسمع اسم زوجي ... أجبت بكل سعادة ... _ أيــــــه بعد عدة دقائق .. أيقنت باني قد تزوجت رجلا لا يمت بأي صلة للذي كنت قد وافقت على الزواج به ! هكذا تزوجت !... وهكذا عرفت عبدالله !....كان من أطيب الرجال واحنهم قلبا ... لا أنكر فضله علي ... كان يهاتفني يوميا ً ... يبدأ بالحديث ويسترسل ... وأنا ادخل في عالم الأحلام مع طيف يوسف ! وانقضت أيام الخطبة ... وأيام الملكة أيضا !... غداً هو يوم زفافي !... مجرد سويعات تفصلني عن هذا اليوم ... في ساعة متأخرة من الليل أتى أبى لزيارتنا .. استغربنا وجوده في هذه الساعة المتأخرة ... ولكنه أراد الجلوس والحديث معي بدأ حديثه كيف التقى هو وأمي ... وكيف كانت حياتهما قبل أن ينفصلا .. وكيف كانت سعادتهما عندما انجبا فهد .. ثم لمى .. ثم قصة ولادتي ... تحدث عن سعادتهما الغامرة بكل ما كان حولهما ... ثم بدأ بسرد الخلافات التي حلت بينهم ...و كيف انتهت حياتهما الزوجية ... وبحديثه ذاك ... فجر بداخلي بركان كان قد خمد منذ عدة أسابيع ! تذكرت كيف كانت نهايتي مع يوسف ... سكبت العبر ...ضمني إلى صدره !... ومسح على شعري ... وبدأ بمواساتي أبي ... لطالما ابتعدت عني .. أبي الذي لم أربى في حضنه .. أنقذني من زواج سوف أزج فيه ... أبي أنقذيني من نار سوف اهلك فيها ... أبى أريد الزواج بمن احب ... أبي اصلح الأمور بيننا .. أبي ساعدني ولو لمرة !... قف بجانبي... أشعرني بحنانك .. قدم لي هذا المعروف فقط ...وأنا سوف أنسى كل الجفاء الذي لقيناه منك ... أبي أرجوك !... صرخت في داخلي ! ... ليتني كنت أستطيع قول ذلك بقيت في حضنه ابكي بحرقه ... حتى هدأت وخلدت إلى النوم في حضنه !... تركني وذهب !... كما تركني صغيره ابكي في حضن أمي وذهب ... للمرة الثانية تخلى عني وأنا في أشد الحاجة إليه استيقظت صباحاً كنت لا أزال في غرفة استقبال الضيوف ... أتت لمى وبكل حماس .و.صرخت بي فرحه _ يلا يا العـــــــــــــــــــروس !! ..... قومي ورانا يـوم طويــــــــــــــــل سرت معها بكل تثاقل ... وابتدأ يومي الطويل الذي كاد أن لا ينتهي !...ذهبنا إلى قاعة الحفل .. اعددنا المكان ... بدا كل شيء بغاية الروعة !... أشرفنا على الخدمات .. السماعات .. الطاولات .. الأزهار . أين سنجلس أنا وعبد الله !....من سيستقبل المدعوين .. من سيضيفهم ... اقترب الوقت !...أتت مزينة شعري .. تبعتها من ستضع لي مساحيق التجميل ... ارتديت فستاني .. والغريب أنى بدوت كالعروس !... ولكن في داخلي !.. لا فرحه ولا حزن .. لا حماس ولا تملل ... لم اكن أحس بشيء !...كنت اجلس انتظر موعد زفتي ... اجلس بكل لا مبالاة .. والمزينة تمطرني بعبارات الإعجاب وفجاءة !...فتح باب الغرفة ... وقفت فيه فتاة تملئ عيناها الدموع !... صوت نحيبها هزَ قلبي قبل أذناي .. حملقت فيها وبكل دهشة !... إنها أخت يوسف .. نظرت إلي بكل الحقد ... حاولتُ النطق ولكن ليس هناك ما يقال .. قالت هي وعبرت _ حرام عليك ... حسبي الله ونعم الوكيل فيك ...ليش تسوين كذا ليش ! نظرت إليها بكل دهشة !... ماذا تقولين ! _ لا تطالعني كذا لا تسوين نفسك المظلومة والبريئة ...لا تمثلين علي !...أنا أشوف اخوي يتعذب كل يوم وانتي قاعدة هنا مبسوطه .. .أنا قال لي انه انفصلتو بس ما قال عن التفاصيل .... حسبت أن الشيء كان باختياره ... حسبت انه برضاه وبرضاك ... ما حبيت أحرجك واجي أكلمك بالموضوع .. كنت أحاول أتهرب من شوفتك بالجامعة عشان ما أحرجك وأحرجه ... وأنا أشوف اخوي يتعذب وحالته تتدهور ... قلت يمكن انتي الغلطانة وانتي اللي ما تستاهلينه وان اللي صار في مصلحته ...حاولت أقنعه بكل غباء وأنا ما ادري عن اللي صار انه بيلقى غيرك اللي تقدره وتحبه .. ما كنت ادري عن اللي سويتيه فيه يلي ما تخافين ربك..... سكتت لبرهة تلتقط أنفاسها ... وأنا لا زالت بين الاستيعاب واللا استيعاب .. ما الذي تقوله _ جيته يوم وقلت له .. ترى فدوى انخطبت .. احسب إني بخبري هذا ابطفي ناره .. ابنسيه اياك .. بس زدت ناره نار وعذابه عذاب ... لا انتي اللي زدتيه مو أنا .. من يومها وهو ما يحاكينا .. ولا يحتك فينا .. يبعد عنا بأي طريقه .. ينفرد بنفسه في غرفته ما ندري عنه ولا عن أحواله . .و جا يوم وصعقنا بخبر سفره .. يبي يسافر ويترك البلد بسبتك !... جاني اليوم قبل لا يروح المطار مسكني على جنب ووصاني .. أعطاني شريط بيدي ... وقالي هذا وصليه لفدوى ... عشان ترتاح ... ويمكن تسامحني ... أنا ما فهمت .. سألته .. فهمني علمني ... يمكن اقدر أسوى شيء ... قص اللي صار ...و حسيت بالنار تغلي في جلدي ... وش ذنبه هو إذا واحد من أصدقاءه حقد عليه وسجل لكم هالمكالمه ... ما فكرتي تسالين نفسك أو تسألينه ؟ كيف جا لصديقه ذا الشريط ؟ ... ما تفكرين انتي ... ما عندك عقل ... تروحين وترمين بوجهه كل اللي بينكم ولا عاد تحاكيني ولا أعرفك ولا تعرفني ... إذا انتي كنتي مستسهله اللي بينكم ترا اخوي ما كان ... كان يحبك يللي ما تستاهلين الحب !... حرام عليك والله حرام خذي الشريط .. اللي فر مخك وخلاك تسوين اللي سويتيه .. خذيه يمكن يفيدك إذا جا يوم واستوعبتي انتي وش ضيعتي من ايدينيك خذيه .. والله لا يوفقك في زواجك .. كانك سبب عذاب اخوي ألقت بالشريط في وجهي وخرجت وصفعت الباب بقوة ! جمدت في مكاني... أحاول استيعاب ما حدث .. المزينة تنظر اليَ باندهاش ... بدأت اسكب الدموع .. أوقفتني ...( بتخربين المكياج تمالكي أعصابك .. الحين الزفة !!) ... لم تكمل جملتها إلا وقد دخلت أمي تستعجلني .. وتهمني بالخروج ... رأت الدموع في عيني ظنت انه الخوف .. تلت بعض الآيات... وسُـحبت .. كما تساق النعاج ... وابتدأت أزف إلى موتي وقبري ! في كل خطوة من خطواتي كنت استوعب ما حدث ويزداد بكائي .. وتكثر دموعي ... أين أنت الآن يا يوسف .. إلى أي بلد تساق ؟ ... إلى أي عذاب تتجه ؟... والى أي جهنم أنا ذاهبة ؟ أكاد أن أقع أرضاً.. لا أستطيع تحمل كل هذه المشاعر .. لقد ظلمتك يا يوسف .. ظـُـلمت ولم تدافع عن نفسك .. احتراما لرغبتي ؟... أم حقداً على خيانتي لثقتي بك ؟... كيف لي أن صدقت بأنك كنت مخادعا؟... كيف لي أن انعت من احب بتلك الصفات ... كيف لي أن اجرح من أهوى بتلك الطريقة الموجعة ؟... كيف لي تصحيح ما حدث وما فعلت ... كيف لي التهرب من موت أساق إليه ؟ ... كيف وكيف وكيف !!... عشرات ومئات الاسئله تخبطت في رأسي ... كنت سأقدم على الهروب ولا كني تمالكت أعصابي جلست على الكرسي ... أتت لمى هدأت من روعي ... وحثتني على الابتسام ... كيف لي أن ابتسم بعد أن كشفت لي الحقيقة ؟... دقائق وزف عبد الله .... يسير بكل وثوق وسعادة .. عيناه تسبقاه لهفة الي ... ليتني أستطيع أن أبادلك نفس الشعور ... قبل جبيني .. وجلس بجانبي وامسك بيدي بكل عذوبة ...و بارك لي بزواجنا لحظتها .. اتخذت قراري .. منظر عبد الله يبتسم بكل سعادة حثني على ذلك ... لن أستطيع فعل أي شيء .. فيوسف ٌ قد سافر .. وأنا زوجت !... والثقة بيننا قد اغتيلت على يدي أحقر المخلوقات على الأرض !... ليتني أستطيع رؤية صديقه ذاك ولو لمرة واحده ... حتى أطفئ نار قهري فيه !! انتهى يوم زفافي .. ذهبنا أنا وعبد الله إلى الفندق ... ذهبت إلى دورة المياه وأقفلت الباب .. وانهرت باكية !.. أتى هو وطرق الباب .. طالبا مني أن افتح له .. لبيت طلبه .. ضمني إلى صدره .. وبدأ بتهدئتي .. ألقى علي عبارات الاطمئنان ..معتقدا باني متوترة لوجدي معه وحدنا !... وأنا ابكي بحرقه !.. لا أنكر فضل عبد الله وجميله علي !... فتلك الليلة عاملني بكل رقه وعذوبة واحترام ... بل في كل أيام شهر العسل ... تحمل مزاجي العكر .. بكائي المفاجئ !.. وشرودي في اغلب المواقف !... بل بعد أن عدنا ملئ حياتي سعادة .. ابتدأت بنسيان يوسف ... ابتدأت بنسيان من احب ... بدأت احمل المشاعر تجاهه بل أصبحت اعشقه ... محى يوسف من ذاكرتي ... وما أكد محوه قدوم ابني العزيز خالد بيننا !... ملئ حياتي سعادة وفرح ... ونسيت ما مررت به من تجربة !... نسيت من أحببت وعشقت .. عشت الحياة التي لطالما تمنيتها مع يوسف .. ولكن عشتها مع عبد الله !.. مرت الأيام ! وها أنا الآن في هذا المجمع التجاري !... أرى وجه يوسف بعد ست سنوات !!! عـــــــــــــــــــدت إلى ارض الواقع من جديد ! بعد أن مر شريط قصتي مع يوسف سريعاً بسرعة البرق !... بعد أن مرت تجربتي ومأساتي معه !... هاهو الآن يتجه نحوي بخطوات متثاقلة .. بعينان ذابلتان !...بقلب متقطع ...سار نحوي وأنا أحاول قدر المستطاع ألا تلتقي عيناي بعيناه !... سار تجاهي دون مبالاة .. وقف أمامي .. يكاد يلتصق بوجهي ... تأمل في قليلا ... ثم جثي على ركبتيه .. حتى أصبح بمستوى عربة ابني .. نظر إليه بكل أسى .. ابتسم ابتسامه ملئت عيناه بالدموع داعبه قليلا .. ثم قبله .. وهمس بكل حزن _ الله يخليك لأمك ..... ! تلك الكلمات طعنت في صدري الخناجر والسكاكين ... أعادت إلي مشاعر الماضي الأليم ... أعادت إلي الوعي من جديد .. لقد كنت مبلده طوال تلك السنين ... آه يا يوسف أين أنت ؟ ... لماذا تخليت عني ولم تكافح لأجلي ؟... لماذا لم تصمد في وجه من حاول التفريق بيننا ... لماذا لم تبرر لي ما حصل .. لماذا .. اجبني لماذا ؟ وقف من مكانه يهم بالمسير .. نظر إلي ثم اكمل طريقه ...وما كاد أن يتعداني حتى قمت أنا و بكل لا إرادة .. وبلا أي وعي ... قمت بنزع خاتم زواجي من يدي .. وبكل قوة أمسكت بيده !.. ضاربة بعرض الحائط كل التقاليد .. كل المعتقدات .. عقد الزواج والوفاء الذي بيني وبين زوجي .. احترامي لنفسي كأم صالحه .. وزوجه مخلصه ... جميع هذه المبادئ والتقاليد أزحتها عن فكري بلا أي مبالاة .... لم أرد لأي شيء أن يشاركني يداه في تلك اللحظة !.. وان كانت قطعة من الذهب تخص عبد الله !... وقفت أنا وهو .. كتفي ملتصق بكتفه ... لم استطع رؤية تعابير وجهه فقد كنا متناظران .. كلٌ منا ينظر إلي الطرف المعاكس للآخر...لم يستطع رؤية الدموع في عيناي ... امسك بيدي بكل قوة .. وهمس بكل العذاب والحرقه _ انتي الأولي بقلبي .. وما قبلك أحد.... والأخيرة .......... وما بعدك أحد افلت يدي واكمل المسير نحو الجهة الشرقية !... وقفت مكاني جامدة !أمسكت بعربة ابني بكل قوة خوفا من الوقوع !.... انطلقت مسرعة تجاه الجهة الغربية .. ذهب شرقا وذهبت غربا .. ربما كانت مشيئة الله من هذا الموقف بان يعلمنا بان الشرق والغرب لا يلتقيان ! أريد الخروج من هذا المكان بأقصى سرعة .. لا أريد الانهيار هنا...لا أريد أن يشهد الناس عذابي وألمي ... ركبت السيارة نظرت إلى ذاك المجمع ... يال سخرية القدر ! .. نفس المجمع الذي التقينا فيه قبل ست سنوات بعض الامكنه لا تكفيها البدايات فقط ... تمسك بطرفي القصة ... وطرالحزن .. وتأرجحنا بينهما مثل الحبله التي يقفز من فوقها الأطفال آه يا يوسف ... لكم شعرت بالأسى عندما علمت بالحقيقة .. ولكن لماذا عرفتها بعد أن فات الأوان .. لماذا التقيت بك بعد مرور هذه السنين .. هل هذه إشارة باني يجب أن أعيد ما كان .. يجب أن أصحح خطاي .. باني يجب أن أتمم ما بدأته معك وبان حياتي مع عبد الله كانت خطئاً فادحاً منذ البداية ؟ ... وهل وهل .. وهل أسئلةٌ كثيرة تتخبط في رأسي الآن .. لا أستطيع تحملها أو تحمل التكفير بإجاباتها ...وكالعادة لم يخني صوت المذياع ( شفتك ولا حطيت عيني بعينك .....خايف عيونك لا تنادي عيوني .. واخضع وأنا عندي خضوعي بيدينيك .... اكبر مصيبة في معالم جنوني يا نور عيني لا تبين حنينك ..... كلن يهون إلا أنت لا ما تهون ودي بقربك بس ويني ووينك..... ؟ نور الليالي صار دونك ودوني ابعد فمان الله والله يعينك..... قلبي على عهدك حشى لا ما يخون .. وونين قلبي ما يعدل ونينيك...... همي كبير وغير الوقت لوني أهين كل اللي يفكر يهينك ..... حبك يداعب خافيات الشجوني .. هاذي يميني ضمها في يمينك .....هاذي ديونك وأنت عطني ديوني شفتك ولا حطيت عيني بعينك ..... خايف عيونك لا تلاقي عيوني ) عدت إلى المنزل وضعت طفلي في سريره ... وجلست في مكاني استرجع .. ما حدث وما لم يحدث .. ما قيل وما لم يقال .. لماذا بعد كل هذه السنين.. لماذا تعود إلي لتفتح باب الذكريات والجرح الأليم ؟ ... وما الذي كنت أفكر به عندما أمسكت بيده .. ما الذي دفعني إلى فعل ذلك ؟ أي حماقة ارتكبت .. وأي ذنب اقترفت في حق زوجي ؟.. ما هذه الأحاسيس والمشاعر التي ابتدأت تجتاحني نحوه ما هذا .. وما الذي يحدث لي ؟ يموت الحب .. و تبقى حية أحزانه .. تقتل المشاعر .. وتنتهك الأحاسيس .. وتبقى آلامه وجراحه على أجسادنا ... قد تضمر مع السنين .. لكن يأتي يوم ما ويعاد فتحها من جديد .. أحزاننا قد لا نراها .. ولكنها تسكن جوفنا .. تنهش في عظامنا ولحمنا .. تقتلنا ونحن لا نعلم .. ويأتي اليوم التي تخرج فيه كل هذه المشاعر والأحاسيس .. لتغزو عالمنا وتعيد تدميره من جديد ! قاطع حبل أفكاري دخول زوجي محمل بالأكياس ... أخذتها منه _ الله يعطيك العافية جلس بجانبي ... بدأت امسح على شعره.. وأدلك رقبته .... وعدت إلى أفكاري من جديد قاطعني صوته _ كيف السوق اليوم ؟ _ نعم ؟ .... آه ... إيه ...وصيت فهد يشتري لنا أضاحي معاه _ هههههههه شفيك ؟ .... وش جاب طاري الأضاحي ؟.... أقولك كيف السوق اليوم ؟ ... ما طلعتي مع خالد ؟ صمت مستغربه !.... _ السوق ؟.... زين... إيه زين _ هههههههههههههه ذكرتيني بشوفتنا ... يوم اسئلك عن شيء وتجاوبيني بشيء ثاني .. شفيك حبيبتي تعبانه ؟ آه يا عبد الله لو تعلم لم كنت يومها شاردة الذهن ... لو تعلم أن من افقدني حواسي في ذاك اليوم هو نفسه من افقدني التركيز منذ قليل ؟ .... آه من مصيبة سوف تحل بي إذا ما وجدت حل لهذه المشاعر التي تتأجج في قلبي الآن ! يومها كنت اكثر النساء شرودا على وجه الأرض !.. أوهمت زوجي باني تعبه .. وأني احتاج إلى قسطا من الراحة .. في اليوم التالي استيقظت في وقت متأخر ... استغربت بان عبد الله لم يوقظني كعادته لأعد طعام الفطور .. تذكرت باني قد كذبت ليلة البارحة بشان مرضي ... مسكين هو زوجي وجدته جالسا على طاولة الطعام يطعم خالد بيديه منظرهم كان جميل ... من المؤسف أن أحطم سعادة عائلتي بهذه الطريقة !.. جلست بجانبه ألقيت تحية الصباح.. سألني كيف هو حالي ... كذبت للمرة الثانية على التوالي باني قد تحسنت !.. _ هههه لا يفوتك اليوم وش لقيت مع الجرايد ! اخرج من بين الجرائد ظرفاً صغيرا ً ... اصفر وجهي لرؤيته !...هززت رأسي بالنفي .. وكأنني أدافع عن نفسي ... وأحاول التبرير بأنه ليس لي _ شكله واحد حطه بالغلط ... والله داخله قصيدة حلوه اقريها أمسكت بالمظروف ... نظرت إلى زوجي وعيناه ملئهما البراءة ... آه لو تعلم من من هذا الظرف ... تعللت بالمرض وعدت إلى غرفتي وفتحت محتوى الظرف ... وليتني لم افتحه ! [ برغم خلافاتنا ... برغم جميع قراراتنا .. بان لا نعود برغم العداء ... برغم الجفاء ... برغم البرود برغم انطفاء ابتساماتنا ... برغم انقطاع خطاباتنا ...فثمة سر خفي يوحد ما بين أقدارنا... يدني مواطئ أقدامنا... وينفيك في ! ويصهر نار يديك بنار يدي برغم جميع خلافاتنا ... برغم اختلاف مناخاتنا ...برغم سقوط المطر برغم استعادة كل الهدايا ....وكل الصور برغم الإناء الجميل... الذي قلت عنه انكسر برغم رتابة ساعاتنا ... برغم الضجر فلا زلت أؤمن أن القدر ... يصر على جمع أجزائنا ... يرفض كل اتهاماتنا برغم خريف علاقاتنا ..... برغم النزيف في أعماقنا ... وإصرارنا على وضع حد لمأساتنا.... بأي ثمن برغم جميع ادعاءاتنا ... باني لن... وانك لن...فاني اشك بإمكاننا فنحن برغم خلافاتنا ... ضعيفان في وجه أقدارنا...شبيهان في كل أطوارنا دفاترنا... لون أوراقنا .. وشكل يدينا ... وأفكارنا فحتى نقوش ستاراتنا ... وحتى اختيار اسطواناتنا... دليل عميق على أننا... رفيقا مصير... رفيقا طريق... برغم جميع حماقاتنا ] هل نعطي أنفسنا فرصة أخرى سيدتي ؟ أي فرصة تتحدث عنها يا يوسف ؟ ... أي مصير مجهول تدفعني وتدفع نفسك إليه ... أي سعادة تريد أن تحطمها ؟.. ما أنا فاعله ! ...آه من يوسف .. وآه من عبد الله ... عائلتي في كفه .و حبي الأول في كفة أخرى ... أيهما سوف ترجح بالأخرى ؟... عقلي هو الميزان .. وقلبي هو قارئ النتيجة ... وأنا لا أثق بقراءات القلوب ! جلست لعدة دقائق ساكنه في مكاني ... أتذكر كيف كنت سعيدة عندما كنت صغيره ... وكيف كانت علاقتي مع يوسف .... بعدها تذكرت السعادة الغامرة التي منحني إياها عبد الله .. وأني بفضل الله ثم بفضله رزقت بأجمل الأطفال على الإطلاق ... هل القرار صعب لهذه الدرجة ؟....هل أدمر حياة ابني كما دمر أبي حياتي بانفصاله عن أمي ؟ _ فرقي يا دنيا ما بينه وبيني ... باعدي بين دربونا .. ابعدينا عن بعضنا ... اطفي نيران جرحنا بهجرنا ... امسحي ماضينا بأيامك .. .باعدينا يا دنيا .. مثل ما باعدتي ما بين شرقك وغربك .. ارضك وسماك..ولا يمكن يلتقون اجرحينا ... واوهمينا باننا انتهينا... وان اللي بيننا عمره وما كان ... ولا بيكون .. ذكرينا بان دربينا...ما عادو درب واحد .. ما عادو قلب واحد .. ولا يمكن يرجعون جاملينا بايامك .. واصبري علينا ...ترانا ما نسينا ... أمسكت بالرسالة ... مزقتها إلى قطع صغيره ... من اجل زوجي .. من اجل ابني ... لكي أكون زوجة مخلصه ... وأما صالحه ..اختار سعادتهما قبل سعادتي أنا ... تجربتي هذه ...علمتني كيف أتصدى في المستقبل البعيد .. لأي عواصف أو أعاصير تجتاحني من الماضي الأليم ... سوف أتعداهم الواحدة تلو الأخرى .. من اجل زوجي وابني عاصفة الذكريات $nawaf$@nimbuzz.com http://saif.waphall.com